تخطي إلى المحتوى
تحتفي به "الألكسو".. من هو الشاعر السوري صقر عليشي؟ تحتفي به "الألكسو".. من هو الشاعر السوري صقر عليشي؟ > تحتفي به "الألكسو".. من هو الشاعر السوري صقر عليشي؟

تحتفي به "الألكسو".. من هو الشاعر السوري صقر عليشي؟

أقرت المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم (الألكسو) ترشيح وزارة الثقافة السورية للشاعر صقر عليشي، شاعر الدورة العاشرة عن الشعراء الأحياء، والشاعر الليبي الراحل الشيخ المجاهد سلمان الباروني عن الشعراء الراحلين، ودعت المنظمة الدول العربية للاحتفال باليوم العربي للشعر وبالشاعرين المحتفى بهما طيلة 2024.

تجدر الإشارة إلى أن الاحتفاء باليوم العربي للشعر الذي انطلق في 21 مارس (آذار) عام 2015 يعدّ في نظر المنظمة العربية، مناسبة لإرساء تقليد يعيد للشعر مكانته لدى الجمهور والتأكيد على دوره في المجتمع، ويوثق الرابطة التي تجمع بين شعراء الوطن العربي ونظرائهم في العالم، والتذكير بالقيم الإنسانية التي تجمعهم، وتشجيع روح المغامرة الإبداعية للشعراء وخاصة الشباب منهم، وإعلاء صوت الجمال والمحبة والقيم الإيجابية في وجه ثقافة الإقصاء والعنف.

والاحتفاء مضاعف إذ يتوافق مع ما اعتمده المؤتمر العام لليونسكو، خلال دورته الثلاثين المنعقدة في باريس عام 1999، ولأول مرة، يوم 21 مارس (آذار )اليوم العالمي للشعر بهدف دعم التنوع اللغوي، ومنح اللغات المهددة بالاندثار فرص أكثر لاستخدامها في التعبير.

الجَّمال الحيّ

ويسلط موقع24  الضوء على تجربة الشاعر ابن سوريا صقر عليشي واستحقاقه هذا التكريم الاحتفاء من خلال ما كُتب عنها في مؤلفات النقاد السوريين، والمحطة الأولى مع ما كتبه الشاعر والناقد د. سعد الدين كليب في كتابه " في النقد الجمالي/ شعراء.. وتجارب" الصادر عن دائرة الثقافة في الشارقة عام 2000.

ويقول د. سعد الدين كليب  إن "ما فعله صقر عليشي، عبر مسيرته الشعرية، هو أن انصرف إلى الجمال الحيّ، من غير أن ينصرف عن  القضايا الكبرى أو الصغرى التي راح ينظر إليها من منظوره الجمالي الخاص، وتجربته الشعرية متميّزة ومتمايزة عما سواها، في المشهد الشعري السوري الراهن، وهي تجربة ذات طبيعة مغايرة عما هو مهيمن أو سائد، من التجارب الجمالية التي تتمحور غالباً حول تجربة العذاب، تتمحور حول مفهوم الجمال في منحاه الممتع غالباً. ونقصد بذلك أنها تنهض من قيمة الجمال المتحصّلة من الاستمتاع بالعالم أو بالظواهر والأشياء والمعاني. وقلّما تُعنى بغير الجمال، من مثل القبح أو العذاب أو الجلال أو السموّ…الخ. فهي تجربة تبحث عن العذوبة لا عن العذاب، حتى فيما يبدو أن لا علاقة له بالعذوبة أو الإمتاع في الواقع المعيش. ولهذا فإن متعة الألفة والدهشة تجاه جمالات العالم هي الأصل والفرع أو السبب والنتيجة فيها، سواء أكان ذلك العالم في الطبيعة الحية والمتحركة والصامتة أو الجامدة، أم كان في المرأة بمختلف جوانبها الأنثوية والإنسانية، أم في الأشكال والأفراد والعلاقات اليومية الحياتية. وذلك بهدف القول إن في الحياة ما ينبغي أن يعاش خارج معزوفة الألم، أو أنه ينبغي أن يعاش لأن فيه من المتعة ما يجعله ذا جمال حيّ وبهيّ معاً. غير أن هذا لا يعني أن الشاعر يغمض عينيه عن المنفّر والمحزن والمؤلم، فيبدو لا مبالياً بالمعاناة الاجتماعية أو الإنسانية عامة، إنه يرى كلّ ما يمكن أن يُرى، ولكن من منظوره الخاص، وهو منظور المتعة. إن الشاعر في تعامله الفني مع العالم من منظور المتعة، يحاول أن يرى في الموجع أو المحزن ما هو مضحك، أو كوميدي. أي إن تحويل المؤلم إلى مُلذّ لا يكون باستعذاب العذاب، كما عند المتصوفة. بل بالسخرية منه أو الاستعلاء عليه أو امتلاكه بالابتسامة الساخرة".

حوامل التجربة الجمالية

وينبّه د. كليب إلى أن الشاعر صقر عليشي لا يحوّل القضايا الإنسانية أو الاجتماعية المأساوية الكبرى، أو قضايا التحرر الاجتماعي والسياسي، إلى كوميديا أو أنه يُدخلها في المضحك المبكي، وإلا لكان شعره ذا طبيعة عبثية أو فوضوية أو عدمية، وما هو كذلك. إنه لا يطلق الابتسامة الساخرة إلا فيما يقوم على المفارقة أساساً، أو فيما يمكن اكتشافها فيه من إحدى زوايا النظر. أما تلك القضايا التي يتداخل فيها الحقّ والخير والجمال، بالنسبة إلى الوعي الإنساني عامة، فإنه ينظر إليها من منظور الجمال أولاً، أي من منظور المتعة التي ينبغي الدفاع عنها، لأنها الجمال الذي يحيل على الحياة في شكلها الإنساني الأرقى. وهو ما يعني أن خطاب المتعة في شعر عليشي هو خطاب الجمال بمختلف معانيه ومستوياته المتعددة. سواء أكان في الأشكال الحسية أم المشاعر العاطفية أم المعاني المجردة أم القضايا الإنسانية الكبرى. وعن حوامل التجربة الجمالية في شعر صقر عليشي، رأى د. كليب أنها تتحدد بالطبيعة والمرأة والقصيدة في المقام الأول. وهي حوامل أو أقانيم  موضوعاتية وانفعالية وتخييلية ولغوية ورؤيوية في الوقت نفسه؛ كما أنها أقانيم متحاورة فيما بينها، بشكل يصعب فيه النظر إلى واحد منها بمعزل عن الآخر. فهي غالباً ما تتداخل فيما بينها في النصّ الشعري الواحد من منظور المتعة، أو الأدقّ أن الشاعر غالباً ما يستحضر المعجم الطبيعي والمعجم الأنثوي والمعجم الشعري، في تناوله الجمالي لواحد من تلك الأقانيم/ الحوامل. وكأنها أقنوم واحد، أو كأن المتعة الجمالية هي الأيقونة الشعورية/ الروحية لتلك الأقانيم، في شعر صقر عليشي.

أما الباحث في الفكر والناقد عطية مسوح فقد تحدث في كتابه " منارات شعرية" الصادر عام 2017 عن جوانب من تجربة الشاعر صقر عليشي ورأى فيها أنها أكدت تميّز صوته الشعري بخصوصيات جعلت منه صوتاً فريداً، أهم ما فيه القدرة على اقتناص اللمحة الشعرية، أو الفكرة، وصوغها بإيجاز وتكثيف، إضافة إلى مهارة واضحة في بناء ما يمكن أن نسميه القصيدة الصورة.

والقصيدة في نظر الشاعر عليشي كما عبّر عنها في قصيدته التي حملت عنوان (عندما تولد القصيدة)، لا تقبل المعاني العادية المألوفة والمطروحة - والكلام للناقد مسوح-  لا تقبل من المعاني إلاّ أجلّها وأكرمها. ولا يتعلق الأمر بالمعاني فقط، أي بالمضمون، بل إن التطلّب يصل إلى الشكل، فالقصيدة تأبى القوافي المبتذلة أو الضعيفة، ولا يُرضيها إلاّ القوافي المتلالئة المؤهلة لختم المعاني الثمينة والصور البرّاقة.   
ويقول مسوح في موضع آخر: إن قصائد صقر - وبخاصة قصائده القصيرة- هي صورة كبيرة مركّبة، أي أن القصيدة بأكملها هي لقطة مجازية، أو فكرة معروضة عرضاً مجازياً. وهذا ما يجعل القصيدة كلها بؤرة جمالية واحدة.وعدّ الناقد د. هايل الطالب في كتابه " جماليات الغواية الشعرية" الذي يٌعدُ أول من خصّ شعر صقر عليشي بكتاب كامل، والصادر عام 2011، عد الشاعر عليشي منتمياً إلى اتجاه شعري أسماه بالشعر العفوي.

وأشار إلى أن هذا الاتجاه عميق الجذور في التراث الشعري العربي والعالمي، إذ تُلاحظ ملامحه ابتداءً من عمر بن أبي ربيعة قديماً وحتى نصل إلى رائده في عصرنا الشاعر نزار قباني، وهو اتجاه معروف في الشعر العالمي كما نجد عند غيوم أبولينير وجاك بريفير وغيرهما.

وهذا الاتجاه يهتم ويعنى بالجزئي واليومي، وما هو مألوف، وما يُعرف بالموضوعات البسيطة، أي ما يدعوها جاك بريفير بـ (بذور الواقع). ويدعوها آخرون بـ (الواقعية الشعرية) التي عبّر عنها إيلوار بقوله: هي ما كان يحلم بها الكثيرون.. أي أن يكون الشعر ملك، أو في متناول الجميع، عندما يصوغ الشاعر شعره بلغة رجل الشارع، ولغة الحكيم، والمرأة والولد...وباختصار أن يكون الشعر عفوياً وليس مصنوعاً بتعمّد.

ورأى د. الطالب أن الشاعر عليشي يتبنى بعفوية، هذا الاتجاه في شعره كاملاً، يحاول أن يخلق لنفسه فرادة تميّزه عن غيره، وقد عزز هذا الاتجاه بلغة شعرية خاصة في مصادرها، واشتقاقاتها، وارتياداتها المختلفة، كما عززه بأنماط بنائية عديدة تسهم في تحقيق الانسجام في نصّه، وتعطيه خصوصيته التي تبعده عن الفوضى من ناحية، والتي تميزه من غيره من ناحية أخرى، وهذا ما دفعه لتوظيف تقنيات المفاجأة، والطرافة، والمفارقة في تصعيد دلالة نصه، وابتعد عن الغموض، وإغلاق النص، كما ابتعد عن قضايا الوجود والفناء، ويبدو أن ذلك عن سبق إصرار وترصد، وهذا ما نلحظ الشاعر يصرّح به في قصيدة " توضيح بسيط"، فيقول"
تهمني المسائل الصغيرة
أكثر من مسائل الفناء والوجود
أحبّ أن أذوق غامض التفاح
أكثر مما لو أذوقُ
ثمر الخلود
إن وُجدت فلسفة أحبها
لا شك إنها
فلسفةٌ لها نهود. 
بارع في السخرية

ونختتم هذه الإضاءة بما كتبه الناقد الراحل د. محي الدين صبحي على غلاف كتاب الأعمال الشعرية، ولعله أول من نبّه إلى تميّز تجربة صقر عليشي قائلاً: هذا هو صقر عليشي شاعر يقتحم المحرمات بفكاهته وخفة دمه وذكائه وعاطفته، فقد ألّف شعراً يجمع بين الخفة والطيش إلى الرزانة والانتماء والمسؤولية. وهو بارع في استخدامه السخرية بكل أنواعها، بارع في إلقاء الهزل على عواهنه. يستطيع استثمار توتر البنية اللفظية في إطلاق المكبوت من الطاقة النفسية، مع جمال وصنعة وبصر في الشعر، ولعله من أهم المساهمين في تأسيس شعر البداهة والفطنة بالعربية.  

بطاقة الشاعر

صقر عليشي شاعر وناشر سوري من مواليد العام 1957 في عين الكروم إحدى قرى محافظة حماة، عضو اتحاد الكتاب العرب، مؤسس دار الينابيع للطباعة والنشر والتوزيع، تناولت تجربته الشعرية دراسات وأبحاثاً وأطروحات أكاديمية، وجُمِعَ أغلب نتاجه في إصدار الأعمال الشعرية 2008.

وصدر له "(قصائد مشرفة على السهل، الأسرار، قليل من الوجد، أعالي الحنين، عناقيد الحكمة)، في عينيكِ ضعت، أحاول هذا الكلام الوثير، معنى على التل، أسطورة فينيقية، كتاب اللمحات"، وكرّمته وزارة الثقافة السورية، وهيئات محلية وعربية.

المصدر: 
موقع 24